(نجاة)..قصة قصيرة


عندما تمر في شوارع عشوائية لتصل إلى وجهة ما، تشعر أن هناك شيئًا ما تستدعيه ذاكرتك، تظن أنه مجرد هذيان للوهلة الأولى، أو ربما هو مجرد إحدى الأثار الغريبة لظاهرة الديجافو.

يستوقفني شعور قوي هذه المرة عند سماع تلك المقطوعة التى لا أصل إليها في العادة، ولكن أذني قد امتزجت بتلك القطعة البلاستيكية الصغيرة لدرجة أنني وصلت إلى أخر القائمة الموسيقية بدون أن أشعر.

تقول لي "لا يوجد شيء يوثق اللحظات مثل الموسيقى"
، تبتسم فتزيدها التجاعيد جمالاً.

أتذكر بيتنا القديم، عندما كانت تجلس فوق تلك الأريكة الخشبية، حيث تتوسطها الفتحة الكبيرة التي يعلوها المقبض الخشبي، فلا يمكن أن تراها إلا عندما تنظف خالاتي المنزل فيلزمهن ذلك بإزالة طبقة الإسفنج أعلاها.

أخبرتني أنها تضع بها كل صورها ومذكراتها القديمة، وأنها لا تسمح لأي شخص أن يطلع عليها، ثم نظرت لي بعينان متسعتان وقالت : "حتى لو كان الشخص ده هو انت.."

بعد وفاة جدي دار الشجار بين أفراد عائلتي، كانوا في غرفة الصالون، تلك الغرفة التي تشعر أنها المتحف الخاص بعائلتنا، تجد في أماكن مختلفه صور لخالاتي مع أزواجهن، تجد صورة جدي وجدتي بلا ألوان عندما كانا يشبهان أولادهم بشكل ما، وفي مكان لا يراه أحد تجد صورة مرسومة باليد لشخص لا أعرف عنه أي شيء سوى أنه يمتلك الإسم الثالث لعائلتي.

كانوا يجلسون حينها على الأثاث ذو المقابض الذهبية الذي لا يمكنك أن تراه سوى في المسلسلات القديمة، و يتشاجرون في تقسيم الورث أو شيء من هذا القبيل، لقد كنت حاضراً و لكني لا أتذكر شيئًا، كنت محدقًا كعادتي في ورق الحائط المليئ بأوراق الشجر، كنت أحب أن أرى بداخله تلك الوجوه المرعبة التي تكونها الأشكال المتكررة حيث يجمعها ذلك الرابط الغريب، لا أعلم لماذا لم يستطع أحد أن يراه غيري، و لماذا لم أر ذلك الرابط مرة أخرى بعد انتقالنا لبيت آخر.

في يوم من الأيام بعدما مات كلبي الخاص، رأتني وأنا أحتضنه وسط نوبه من البكاء.
حينها مسحت بظهر يدها على وجنتي وابتسمت ثم غادرت في هدوء..

توفيت بعدها بشهر واحد..
لم أبك عليها قبل الآن..
و لكن تلك الدمعة سقطت علي وجنتي بلا أدنى إرادة مني مع انتهاء المقطوعة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة